الموسوعة التاريخية والحضارية للقبائل العربية – الحلقة الثانية
لقاء خاص متجدد مع الشيخ قاسم الكسادي الناخبي اليافعي
أحد المشايخ البارزين في قبيلة سرو الحميرية – يافع السيف والضيف
“ القبيلة… ليست حنيناً للماضي، بل وعياً متجدداً في قلب الحاضر ”
مقدمة الحلقة الثانية :
في حلقتنا الأولى، فتحنا مع الشيخ قاسم الكسادي نوافذ التاريخ، ودخلنا في عمق النسب، والعادات، والبنية القبلية .
واليوم، نعود إليه لنستكمل هذا النبض الحي للهوية، ونسبر أغوار زوايا لم تُطرق بعد :
في التربية، والقيادة، والاقتصاد، والهوية الثقافية، ودور القبيلة في مواجهة التحديات الوطنية .
فمن قلب سرو حمير، حيث تنبض الأصالة بالفكر، وتمتزج الشيم بالحكمة، نطرح على الشيخ محاور أكثر عمقاً في بنية المجتمع القبلي ودوره الحضاري .
السؤال الأول :
شيخ قاسم، كيف تصفون منهج التربية في قبيلة يافع ؟ هل للقبيلة دور في صياغة شخصية الفرد منذ الطفولة ؟
الإجابة :
التربية في يافع ليست مجرد واجب أسري، بل مسؤولية مجتمعية تبدأ من البيت ولا تنتهي عند حدود المدرسة .
الطفل في يافع يُربى على ثلاثية متجذرة :
“ الاحترام – الفزعة – العِفَّة ” .
يعرف منذ صغره معنى الكلمة، وأثرها، ومقام الكبير، وقدسية الجار، وشرف الدم والعرض .
لا ننتظر أن تُعلّمه المدارس هذا، بل نزرعه فيه قبل أن يخط أول حرف .
الحِكمة تُلقَّن في المجالس، والفزعة تُعلَّم بالأمثلة، والشجاعة تُغرس في قلبه بلا تباهٍ ولا صخب .
السؤال الثاني :
ما المقومات التي تصنع القائد القبلي في يافع ؟ هل هو اللقب، أم الأداء، أم الرصيد الاجتماعي ؟
الإجابة :
في يافع، لا يُصنَع القائد بالوراثة وحدها، بل بالحكمة والرجولة والفعل عند المحن .
الشيخ الحقّ هو من يكون أول الحاضرين عند الخطر، وآخر المتكلمين عند الخلاف، ومن يُصغي أكثر مما يتحدث .
اللّقب لا يكفي، والمقامات لا تُشترى . الناس تختبر الشيخ في ميادين كثيرة : في الخصومات، في الإصلاح، في إدارة الموارد، وفي كبح جماح الفتن .
ومن ينجح في هذه الميادين، يُكتب له المجد في القلوب قبل السجلات .
السؤال الثالث :
كيف ترون العلاقة بين القبيلة والدولة ؟ هل هي علاقة تكامل أم تصادم ؟
الإجابة :
نحن في يافع نؤمن بأن القبيلة لا تنافس الدولة، بل تسندها وتكملها .
القبيلة ليست دولة موازية، بل حارس اجتماعي وأخلاقي في الفجوات التي تتركها الأنظمة .
حين تغيب الدولة، تقوم القبيلة بسد الفراغ، لا لتسيطر، بل لتحفظ الأمن، وتلجم الفتن، وتحل الخصومات .
لكن حين تحضر الدولة العادلة، فواجب القبيلة أن تُفسح المجال، وتتحول من سلطة عرفية إلى سند وطني، وأن تُسلّم زمام الأمور القانونية لمؤسسات الحكم الرشيد .
السؤال الرابع :
الهوية الثقافية اليافعية… كيف تعيش اليوم في ظل العولمة والانفتاح ؟
الإجابة :
هويتنا ليست جامدة، بل حيّة متجددة .
نلبس زيّنا، ونحتفل بمناسباتنا، ونُعلّم أولادنا اللغة واللهجة والعادات .
لكن لا نُعادي العصر .
نستخدم الهاتف الذكي، وندخل الجامعات، ونسافر وننفتح، لكن لا نذوب .
كل ما هو مفيد من الحداثة نأخذه، وما هو دخيل على شيمنا نرده. هذا هو التوازن الذي نحافظ عليه، وبه نعيش العروبة لا كأنشودة، بل كنهج حياة .
السؤال الخامس :
هل للقبيلة دور اقتصادي اليوم ؟ أم أن القبائل أصبحت عبئاً اقتصادياً ؟
الإجابة :
القبيلة ليست عالة على الدولة، بل منبع إنتاج .
أرضنا زراعية، وسواعدنا لا تعرف الكسل .
أبناء القبيلة في الداخل والخارج يعملون في التجارة، الزراعة، البناء، والمؤسسات .
التحويلات من المغتربين تُسند الاقتصاد المحلي، والتكافل بين الأسر يخفف من وطأة الأزمات .
القبيلة تحمي الأرض، وتشجّع الاستثمار فيها، وتضمن الاستقرار في ظل الفوضى .
ولو أن الدولة فعّلت المشاريع في هذه المناطق، لرأيت في يافع نموذجاً للاكتفاء الذاتي الريفي والوطني .
السؤال السادس :
في ظل الصراعات الحالية، كيف تواجه قبائل يافع خطر التسييس والتفكك ؟
الإجابة :
نحن نُفرّق بين الانتماء الوطني والانجرار السياسي .
قبائل يافع وُجدت قبل الأحزاب، وستبقى بعدها .
لسنا أدوات لأجندات أحد، بل نملك قرارنا المستقل، ونجتمع في الملمات كياناً واحداً، لا فروعاً متناحرة .
ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، ولدينا “ ميثاق شرف ” غير مكتوب، لكنه معروف في الضمير الجمعي :
“ا لدم لا يُراق في الفتنة، والعِرض لا يُمس في الخلاف، والقبيلة لا تُباع في بازار السياسة .”
السؤال السابع :
رسالتكم هذه المرة للشخصيات الرسمية والقيادات الوطنية ؟
بية وعمقًا:
الإجابة :
رسالتي لهم :
القبائل ليست عبئاً على الزمن، بل رصيدٌ للأمة… لم تتراجع لأنها عاجزة، بل عُطِّلت بفعل الجهل أو الأهواء أو المصالح الضيقة .
وحين تستعيد القبائل وعيها ودورها الحضاري، تعود الأمة إلى توازنها وكرامتها .
لا تحيدوا عن القبائل، بل افتحوا لها الأبواب .
استثمروا في طاقاتها، أشركوا حكماءها في الحوار، واعلموا أن السلام الحقيقي يبدأ من المجالس، لا من المؤتمرات المكيّفة .
حين تكون القبائل في صف الدولة، يكون الوطن آمناً، وإذا تم تهميشها، فأنتم تقصون أقدم المؤسسات الاجتماعية في تاريخ العرب .
خاتمة الحلقة :
بين الجبل والسهل، وبين الذاكرة والرؤية، يقف الشيخ قاسم الكسادي كجسرٍ عميق يصل الماضي بالحاضر، لا بنظرة رومانسية، بل ببصيرة واعية .
القبيلة في يافع، كما وصفها، ليست خيمة منسية على هامش الحضارة، بل مؤسسة اجتماعية متجددة، تحمل الذاكرة، وتصنع الوعي، وتخوض معارك العصر بأخلاق الفرسان وحنكة الحكماء .
انتظرونا في الحلقة الثالثة… حيث نغوص في الأمثال، والأشعار، والمرويات الشعبية، ونكشف كيف سكنت الذاكرة الجمعية وجدان القبيلة، وكيف تتحول الحكمة إلى سردٍ خالدٍ في أفواه الرواة .
0 تعليق